Your gateway to endless inspiration
كنتُ أَشعُرُ بكلِّ شيءٍ في آنٍ واحدٍ، كنتُ كعاصفةٍ جمعتْ كلَّ شيءٍ بها ومزَّقته، بل اندمجتُ معه حتى تهالكتْ من ثقلِ ما تحمَّلَتْ، وتلاشتْ، ولم يتبقَّ منها سوى أجزاءٍ مختلفةٍ من قطعٍ لا تشبهُ ما كانتْ عليهِ.
لا أحاربُ وحوشًا صنعتها، بل أحاربُ ثقلَ العالمِ من إنشاءِ شخصٍ أخَر غير ما أُريدُ. لا أريدُ أن يصنعَ مني العالمُ وحشًا، أو يغيّرَ ما بي من لطفٍ. لا أريدُ أن أصبحَ مسخًا مثلهم، ولا أريدُ أن أكونَ وحشًا لأحيا، لكنّي لا أهتمُّ إن كانتْ شخصيتي تدفعني إلى الموت. أسعى أن أموتَ وأنا على راحةٍ، وإيمانٍ بأني لم أُخطئْ في حق نفسي، خيرٌ من أن أحيا وسطَ حزنٍ مفرطٍ على ما فقدتهُ من راحتي في ذاتي القديمة.
لم أعرف يومًا معنى أن أمتلكَ أبًا، لم أعرف والدي قط. وعلى الرغم من أنه دائمًا حولي، فإنني لم أعرف يومًا معنى أن يكون هناك شخصٌ أعلمُ أنه سيحميني. كنتُ أخوض المعارك دائمًا: إمّا أن أموتَ بالألم، أو أن أنجوَ بمحض الصدفة.
لقد نَسِيَ طُفولتَهُ وأحلامَهُ وأيَّامَ عُمره؛ نَسِيَ ما كانَ عليهِ، وما كانَ يَحلُمُ بهِ. كَأنَّهُ وُلِدَ بهذا الألمِ؛ وُلِدَ فجأةً، ولا يَعرِفُ شيئًا سوى أنَّهُ ينهارُ.
بتُّ لا أشعر بشيء، ولكنْ يأتي الألم في صدري ليردد دائمًا أنه لا جدوى، مهما غدوتُ في طريق التغيير، ومهما حاولتُ أن أشرح، وأن أجعلَ كلَّ شيءٍ بسيطًا، يأتي الألم لأتذكّر أنه دائمًا ورائي، وأنني لن أستطيع محاربة شيءٍ خلفي لا أستطيع رؤيته.
أشعرُ بالاحتراق، كلُّ شيءٍ يحترق بجانبي… كلُّ شيء. أستيقظُ من نومي في حالةٍ من الذعر، وأشعرُ بالألم مع كلِّ نفسٍ يخرجُ من صدري. والآن، كلُّ شيءٍ من حولي فاسد، كلُّ شيءٍ يدفعني نحو نهايةٍ لا أستحقها، ولكنَّ الألمَ يدفعني إليها بمنتهى السرعة.
قيلَ لي اليومَ إنني لا أحتاجُ أن أبحثَ عن شيءٍ، ولكنني أحتاجُ إلى أن يعثرَ عليّ شخصٌ ما. كنتُ أضحكُ بشكلٍ مفرطٍ، قائلًا: “كيف يمكنُ لشخصٍ أن يعثرَ على شيءٍ لا وجودَ له؟” حينها تخيلتُ شخصًا يبحثُ عن جليدٍ ذابٍ واختفى، لأنَّ الوقتَ، وبكاملِ الأسى، قد فاتَ.
يا للعجب! يدفعونك خارج الطريق بكلِّ شيءٍ حذَّرتَ كثيرًا منه، ثم يشككون في قيادتك.
المحاولة رقم 704 وها أنا أمضي قدماً، رغمًا عن أنفي. الآنَ وددتُ أن أُلقي وداعًا، ولكنه انحسب من بين يديَّ في لحظةٍ واحدةٍ، في رمشةِ عينٍ. انْسَحبَ البساطُ، ولم ولن يأتِ في القريبِ العاجلِ. أمضي بحزني وقلقي وهلعِ أيامي؛ أمضي ولا أَنتظرُ شيئًا؛ أمضي ولا أدري إن كنتُ في الطريقِ الصحيحِ أم لا. سأمضي اليومَ، رغمًا عن أنفي، رغمًا عن كلِّ ما اجتهدتُ في الحفاظِ عليه.
ما عدتُ أصرخُ، ولكن قلبي اعتادَ الألمَ. باتتِ الأشياءُ لا تُبهجُني. في معظمِ الأحيانِ لا أريدُ سوى الانتشاءِ لأُريحَ ذلكَ الجسدَ، ولتهدأَ تلكَ الأعصابُ. ولكن سيظلُّ خوفي الأكبرُ أنْ أعتادَ المخدرَ، فتأتيَ الفوضى مجددًا.
يا للشفقةِ! النارُ التي كانت تُهَدِّئُ رَوْعَكَ، الآنَ باتَتْ تحرِقُ جَسَدَكَ، وأصبحَ صوتُها المُريحُ ما هوَ إلاَّ ضجيجًا مُستمِرًّا يرافقُ أذنيكَ.